الصفحة الرئيسية » مقالات » أضواء على مفهوم المرجعية لدى غبطة الكاردينال لويس ساكو

أضواء على مفهوم المرجعية لدى غبطة الكاردينال لويس ساكو

توما خوشابا

في حديث لغبطة الكاردينال البطريرك لويس ساكو الجزيل الاحترام تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، حول لقائه بالريئس الفرنس إيمانويل ماكرون أثناء زيارة الأخير للعراق، حيث تطرق غبطته إلى مسألة في غاية الأهمية والتي كانت بمثابة رسالة موجهة لعدة أطراف.. ذكر البعض منها حين قال: (لا أعرف لماذا الانزعاج لدى الكنائس الأخرى من أن يكون بطريرك الكلدان مرجعية للمسيحيين، حيث أن هذه المرجعية ليست بمفهوم الزعامة بل هي لخدمة المسيحيين)، مستشهدا في حديثه بدور بطريرك كنيسة المشرق إبان الخلافة العباسية وحتى أيام الحكم العثماني، حيث كانت الدولة تتعاطى مع البطريرك مباشرة دون أية جهة أخرى، والذي كان يسمى بـ (أبو النصارى).

ومن خلال ما تقدم، فإننا نرى من الضرورة بمكان أن نسلط الضوء على بعض المحاور التي نعتبرها نقطة تحول في موقف الكنيسة الكلدانية، ولتوخي المزيد من وضوح الرؤية إزاء المشهد السياسي الذي يعيشه شعبنا الكلدوآشوري اليوم.

ففي البداية ثمة سؤال يطرح نفسه وهو: هل هناك فرق جوهري بين مفهومي المرجعية.. والزعامة التي نأى غبطة البطريرك بنفسه عنها؟. الجواب باعتقادي: أنه ليس هناك فرق بين المفهومين، على الأقل من الناحية البراغماتية العملية، بل الاثنان يدللان على مفهوم ولي الأمر أو الوصي أو المسؤول عن.. أو الراعي، إذن هي مجرد مفردات مترادفة ليس إلا.
وقد يكون هناك بعض الاختلاف بينهما لكنه لا يدخل ضمن نطاق المضمون أو جوهر الكلمة، فعمليا: كلاهما واحد.. المرجعية والزعامة.

الأمر الآخر الذي أثار استغرابنا، هو عدم التوافق بين طرح اليوم والبارحة حين دعا غبطته الفعاليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني في شعبنا بالأمس أن تجتمع وتناقش المحاور التي اقترحها هو آنذاك لكي يتمخض عن ذلك مرجعية سياسية لشعبنا، تكون هي الممثل الشرعي أمام مختلف المحافل الوطنية والدولية، والتي أيدها البعض وصمت عنها الآخر، وكان على غبطته أن يُصر على ذلك الطرح ويباركه بل ويساعد في تشكيله، وأن يعمل على جمع تأييد باقي الكنائس الأخرى لدعمه حيث كان هناك سعي للأطراف المؤيدة للطرح بالسير في هذا الاتجاه. لا أن يلجأ إلى البديل، فالكنيسة لا يمكن أن تكون البديل السياسي لشعبنا.. على الأقل من الناحية المبدأية، فالعلاقة بين الكنيسة والدولة تقوم في الفهم المسيحي الحديث على الفصل بين الموؤسسة الدينية والمؤسسات الزمنية في شؤون السياسة والإدارة والأحزاب، حيث تُعرّف الكنيسة عن ذاتها بوصفها كيان ذي رسالة روحية وليست ذي رسالة سياسية، ولذلك فإن الشأن السياسي لا يدخل ضمن رسالتها.

عموما.. إن كل ذلك لم يأت من فراغ، فهو باعتقادنا تحصيل حاصل ونتيجة للتراجع الكبير في الأداء السياسي لأحزاب شعبنا بشكل عام، خصوصا تلك التي تتمتع بإرث نضالي طويل، حيث دأبت على التسابق في تحقيق المكاسب الحزبية الآنية وتقديمها لشعبنا على أنها إنجازات قومية مهمة، وهو ما أفقدها المصداقية لدى شعبنا أولا، ولدى شركائنا في الوطن ثانيا. وهذا ما شجع الشركاء للبحث عن أسهل الطرق للتعامل مع شعبنا وقضيته، وهي التعاطي مع رجل الدين وليس مع الطليعة السياسية التي افتقدها شعبنا اليوم للأسف.
عليه فليس من الإنصاف أن نلوم الكنيسة في ذلك، لأننا نحن من أوصل الوضع إلى ما هو عليه الآن.. بسياساتنا وتوجهاتنا. وهكذا أيضا بالنسبة للشركاء الآخرين في الوطن بتعاملهم معها، أي مع الكنيسة. على الرغم من أننا لا نتفق إطلاقا مع هذا الدور للكنيسة.. فما لقيصر لقيصر وما لله لله.

إذن.. ما العمل؟؟.
باعتقادي.. أنه لا سبيل أمام الأطراف السياسية لشعبنا إلا اللجوء إلى التنازلات المتقابلة وقبول الآخر، على قاعدة أن الأولوية تكون للمشتركات القومية. وتؤجل، لا تلغى، الاختلافات.. كون بعضها يتعلق بقضايا مبدأية. والنزول من الأبراج إلى أرض الواقع، وترك لعبة تضليل الجمهور بإنجاز حزبي هنا وآخر هناك، والعمل على خلق إطار سياسي جامع لأغلب فعاليات شعبنا المؤثرة.. تكون بمثابة المرجعية السياسية له، لترسم فيما بعد خارطة الطريق التي تضمن حقوقه وديمومة وجوده في الوطن.

شاهد أيضاً

قضيتنا إلى أين

توما خوشابا لقد أفرزت نتائج انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق الأخيرة في 30 أيلول 2018 …